الإشكال : هل يتم تدريس الفلسفة لذاتها كطريقة في التفكير تسائل كل الموضوعات بغية تحديد ماهيتها وحقيقتها أم بالإضافة إلى ذلك يتم الانتقال إلى أجرأة الفلسفة في سلوكات تتناسب مع طبيعة الفكر الفلسفي، ومن ثمة إعطاء بعد سلوكي لتعلم الفلسفة؟( مثلا تجاوز مفارقة الجمع بين التسليم والعقلنة،بين التقبل وطرح السؤال، بين الخرافة واللوجوس...بين الانتهازية والإلتزام، بين التقليد والإبداع..)
حتى الفلاسفة أنفسهم لم يحترموا بعضا من القيم الفلسفية أو التي يُراد لها أن تُستشف من روح الفلسفة، مثلا موقف أفلاطون من السوفسطائيين وكيف كان يفتري عليهم لأسباب سياسية بلبوسات فلسفية،مثلا الموقف العدائي لشوبنهاور تجاه معاصره هيجل وخاصة في طريقة تدريس الفيلسوفين وفشل طريقة الأول ونجاح الثانية الأمر الذي أجج الحقد والكراهية تجاه هيجل، مثل موقف نيتشه الاستهزائي من مختلف الأنظمة الأخلاقية بدعوى تجسيد قيم التعدد والاختلاف من خلال " التفكيكية" التي انتهت إلى ما يشبه العدمية!!!! مثلا مفارقة الموقف العقلاني الديكارتي مقارنة مع موقفه من الدين والكنيسة......)
إذن ربط الفلسفة بواقعها وبالممارسة اليومية ،هذا ما نجده في مختلف الأطر المرجعية: المزاوجة بين روح الفلسفة وتجسيدها في الممارسة العملية من خلال تشرّب مختلف القيم الفكرية والسلوكية التي تدعو لها.
فهل مدرسي الفلسفة يحترمون هذه المزاوجة أم يقتصرون في تدريسهم على التركيز على المعطيات الفلسفية كمعلومات فلسية تُستثمر في الامتحان الوطني، أما تجسيد الروح الفلسفية في السلوك، فهذا يقتضي إرادة حقيقية توظف فيها البيداغوجية لتحقيق الوظيفة الاجتماعية للفلسفة.
لنطلع على جذاذات المدرسين ودفاتر التلاميذ، لنكتشف كارثة تحويل تدريس مادة الفلسفة إلى مجرد معلومات فلسفية جاهزة يتم إملاؤها وتفبّلها من قبل المتعلمين، بل أكثر من ذلك كثير من مدرسي الفلسفة يُهيئون دروسهم بشكل نمطي : أشكلة ومفهمة وحجاج من خلال تحديد المشكل والأطروحة ونقيضها والمفاهيم والحجاج. وتتكرر العملية طيلة السنة، بل نفس الطريقة يُمارسها المدرس مع مختلف الأجيال باعتماده نفس الجذاذات الأولى،أي يتم تكرير تحليل نفس النصوص ونفس المعطيات حرفيا، ونادرا ما يتم تجديدها!!!!وهذا أفرز متعلمين تم تدريبهم على تقبّل الجاهز وفق متطلبات الامتحان الوطني وليس طبقا لروح الفلسفة مع ما ورد في الأطر المرجعية، على علاّتها.